
من المعروف أن معظم زعماء العالم واجهوا تحديات خلال كبيرة
حكمهم، فترات وقد بادر كثير منهم إلى التركيز على الإصلاحات المؤ سسية ، مع بالتوازي تسريع دعم الفئات الأكثر احتياجا، والعمل على تحسين الأوضاع فى مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفى بلدنا، ورغم المعاناة المتراكمة فى القطاعات التنموية والاقتصادية، من نقص في الطاقة والماء والكهرباء، وارتفاع الأسعار، وتدنى الرواتب، وهى تحديات يصعب تجاوزها فى عقد واحد من الزمن، إلا أن التخفيف منها ممكن، خصوصا أن معظمها ناتج عن أسباب بنيوية وعوامل دولية، إلى جانب الإرث الثقيل الذي تسلمه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني فى بداية مأموريته الأولى؛ حيث ورث دولة مثقلة بالديون، وإدارة أضعفها تفشى الفساد بمختلف أشكاله، وتحف به مخاطر التحديات الأمنية فى محيط إقليمي ودولى مضطرب، وشاهدنا فيه من الاختلالات التى ولدت نقصا كبيرا فى العدالة وفى صون حقوق الإنسان؛ وكل ذلك فى مجتمع لم تحسن نخبه تجسيد القدوة فى القيادة، ولا فى حماية المال العام، ولا فى مواجهة إغراءات عصر العولمة، الذي سحق الفئات الهشة وغير المنتجة.
ورغم ذلك، يبقى من الضروري أن ننهض- نحن كمواطنين ونخبـ بدورنا فى البناء، من خلال دعم جهود الرئيس فى مواجهة التحديات، بدءا بإضعاف قوى الفساد والرشوة، عبر إشاعة ثقافة الالتزام الأخلاقى، وتعزيز حسن التسيير، وصولا إلى ترسيخ شروط الإصلاح، وتفعيل آليات المحاسبة، وتحقيق العدالة فى الأجور، وتمكين الإدارة، وإرساء الحكامة الرشيدة فى جميع القطاعات.
ومن أبرز الأمثلة على ما يمكن للمواطن والمسؤول أن يقدمه: الامتناع عن التعامل غير القانونى مع وكلاء شركات الكهرباء والماء على سبيل المثال، ورفض تقديم الرشوة، أو المشاركة فى سرقة الكهرباء وتزوير العدادات، والتبليغ عن هذه الممارسات، إلى جانب الإبلاغ عن الموظفين المرتشين، غير أن محاربة الفساد تبقى مهمة صعبة فى ظل تدنى الأجور، وضعف روح المواطنة، وتراجع الوازع الأخلاقى؛ ما يستدعى معالجات هيكلية وجذرية تتطلب نفسًا طويلا وتضحيات قد تكون مؤلمة وطويلة المدى.
ولا شك أن النخب مطالبة بأن تكون جزءا من الحل، لا جزءا من المشكلة.
ومن يتابع تجارب الحكامة الرشيدة عالميا، سيجد أن منهج فخامة رئيس الجمهورية، خصوصا فى المجال الاجتماعى والسياسى، يذكّر بتجارب رائدة لزعماء مثل ميشيل باشيليت فى تشيلى، التى ركزت على دعم الطبقات الفقيرة، ونيلسون مانديلا فى جنوب إفريقيا، الذي اعتمد التسامح والإصلاح المؤسساتى سبيلا لبناء وطن جامع، كما أن اعتماد الرئيس على مقاربات اجتماعية لردم الفجوة الطبقية يعكس وعيا عميقا بطبيعة الأولويات الوطنية.
ومن تجليات القيادة الهادئة لفخامته، حرصه على تهدئة المناخ السياسي، من خلال لقاء مختلف الفرقاء، والاستماع إليهم باحترام، رغم تباين المواقف، ما عزز ثقة هؤلاء فى أن الوطن يدار بعقل راجح وأيد أمينة.
وقد اختار فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رؤية واضحة ومتكاملة الأبعاد، كان من أبرز ملامحها إنشاء المندوبية العامة للتضامن الوطنى ومكافحة الإقصاء «التآزر»، التى بلغ عدد المستفيدين من برامجها قرابة مليون أسرة، معظمهم من النساء، في خطوة غير مسبوقة لدعم الفئات الأكثر هشاشة.
كما استفاد ما يقارب 600 ألف مواطن من خدمات التغطية الصحية، يمكن تسميته ببرنامج "غزوانى كير"، فى محاكاة رمزية لبرنامج «أوباما كير» الذي أطلقه الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، كأول نظام للتأمين الصحى للفئات الضعيفة في تاريخ أمريكا الليبرالية.
ويكفى المنصف أن يطلع على ميزانيات مفوضية الأمن الغذائى والعمل الاجتماعي ليدرك حجم الاهتمام الذي يوليه «الرئيس الإنسان» لصون كرامة المواطن الإنسان.
وعلى الصعيد الإنسانى، لا يمكن إغفال الجهود المبذولة فى مكافحة الاتجار بالبشر، وحماية كرامة المهاجرين واللاجئين، وتمكين النساء وتعزيز مشاركتهن، وهى مجالات تُعد ركائز لأي نهضة إنسانية شاملة.
أما فى ميدان القضاء، فقد جعل فخامته من إصلاحه أولوية، إدراكًا منه أن العدل أساس الثقة ومفتاح جذب الاستثمار، كما أثبتت تجارب بلدان كرواندا، التى قامت بإصلاحات قضائية واقتصادية جعلت منها نموذجًا فى استقطاب رؤوس الأموال.
كما شرع فى عهد فخامته فى مشروع طموح للتحول الرقمي، تمثل فى إنشاء وزارة متخصصة، أطلقت مركز تبادل الإنترنت، ومركز بيانات من المستوى الثالث، وشرعت في تعزيز السيادة الرقمية، ومد كابلات بحرية، وربط أكثر من 344 مرفقًا حكوميًا بشبكة الإنترانت، ومد أكثر من 7000 كلم من الألياف البصرية، مع إطلاق مشروع السحابة الوطنية، ومراقبة الأمن السيبرانى، ورقمنة الخدمات، من خلال بوابة «خدماتى» وتطبيق «هويتى»، ومنصات مثل «سراج»، «عين المواطن»، و«لعكود»، إلى جانب رقمنة الوثائق والسجلات ورخص السياقة، وتطوير نظم تراخيص الأدوية، وإطلاق منصات رقمية مرتقبة فى القضاء والتعليم والصحة.
وقد رُقمنت أيضًا إجراءات تأسيس الشركات، والتراخيص الاستثمارية، وأطلقت مبادرات لدعم الحاضنات، والتجارة الإلكترونية، والعمل على الدفع الفوري، والتوقيع الرقمى، والعنونة الجغرافية، وتحديد المهن الرقمية، إلى جانب سن تشريعات مواكبة، وتدريب الموارد البشرية عبر منصة «تمكّن»، والملتقيات السنوية المتخصصة فى التقنيات الحديثة. ومن المعلوم أن رقمنة مفاصل الإدارة من شأنها أن تقلل نوعًا ما من تفشى الرشوة.
ومن بين مواقف فخامته التى أثارت إعجابى، التزامه بمقولة: «أرسل اللبيب ولا توصه»، فقد ترك للوزير الأول عمله التنسيقى الوثيق؛ وللوزراء مسؤولية العمل دون وصاية مباشرة، ولم يتدخل فى تفاصيل عملهم، ولا سعى إلى وساطة تخالف القانون، فى قطيعة واضحة مع أساليب كانت سائدة فى فترات سابقة.
وبات من الواضح اليوم أن نجاح البرامج الحكومية أو فشلها أصبح مرهونًا بكفاءة من يتولون تنفيذها.
هذه مجرد نماذج محدودة مما تم القيام به فى السنة الأولى من مأموريته الثانية؛ ولا شك أنها استفاد منها الكثير ولكن لم يذكروها ولو بالتشجيع، ريثما تدلى نخبة المجتمع بدلوها ولو بالنقد الإيجابى وطرح الأفكار البناءة والتطوع ... لم لا؟ سبيلاً إلى بناء آفاق تنموية أوسع وأرحب.
إن فخامة الرئيس غزوانى لا ينتظر جزاءً ولا شكورا، لأنه يؤدي واجبه عن قناعة.
ومن جانبنا، فإننا ندرك جميعًا أننا، وإن كنا نعيش فى عصر الإعلام السريع، ندرك كذلك أن «من لا يشكر الناس، لا يشكر الله».
وإذا جُحد العطاء، جاز التذكير به.
